الحوارات و المذکرات

ست نظريات حول انتصار الثورة الاسلامية

الكتاب الذي بين ايدينا ، مجموعة مقالات تنظيرية حول اسباب وعوامل الثورة الاسلامية في ايران ، نظمها و رتبها وعلق عليها الاستاذ (صادق حقيقت ) وقام بنقدها على اساس جملة من الحقائق التي سبقت اوعاصرت انطلاقة الثورة المظفرة .

يقع الكتاب في 279 صفحة من القطع المتوسط وقد ترجمه الى العربية مختار الاسدي ،والكتاب من اعداد مركز الدراسات الدولية ،قسم ايران المعاصرة والثورة الاسلامية ،وهو من اصدار مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع .

و لعل اهم ما في هذا الكتاب ، انه راح يقرأ خلفيات الثورة واسباب انتصارها وعوامل الانتصار بعدة اقلام وعدة رؤى ، يظهر التنافس بينها جليا ، و ذلك بتقديم عامل على اخر او سبب على اخر فبين من يقدم العامل الديني ، و بين من يقدم العامل الاقتصادي او الاجتماعي ، وبين من يرى اهمية العامل السياسي وقمع الشاه ودكتاتوريته ، وبين من يؤكد ان سبب الثورة المباشر هو التحديث او التجديد او مرض الشاه ، او ضغوط كارتر على الاخير لتطبيق سياسة حقوق الانسان او فساد المؤسسة الحاكمة وانتشار الرذيلة و هجرة القرويين الى المدن ، او المقالة المهينة للامام التي نشرت في جريدة اطلاعات وامثال ذلك .

ان مجموعة المقالات في هذا الكتاب تشكل بمجملها قراءة تحليلية واعية لمثقفات ايرانيات واساتذة وعلماء و مثقفين ايرانيين ومنظرين لم يتهيبوا في طرح رؤاهم و نظرياتهم رغم التدافع الظاهر بتداخل الاسباب والنتائج او اشتباك خلفيات الثورة مع تمظهراتها الخارجية ، مؤكدين جميعهم ان ايران (جزيرة الاستقرار) في الشرق الاوسط – كما سماها كارتر- قد تحولت الى مركز ثورة في حقبة زمنية بالغة الحساسية ، ثم ثورة شعبية عارمة نفذها شعب اعزل فقير ضد حاكم دكتاتوري غاشم مدعوم اجنبيا ، حكم البلاد بترسانة عسكرية هائلة وجيش قوامه 000/700 رجل مدججين باحدث انواع الاسلحة .

هذه الظاهرة الفريدة التي صدمت توقعات و نظريات علماء الاجتماع و عصفت بحساباتهم واربكت حساباتهم وتركت اعمق الاثر على الافكار والرؤى الموجودة فعلا في العلوم الاجتماعية والسياسية ، و لفتت بل اشغلت اهتمامات العديد من المفكرين و المثقفين المتابعين . ان التساؤلات الكثيرة التي تبدأ ب(كيف) و (لماذا) انتصرت هذه الثورة ؟ اصبحت عناوين بارزة استغرقت مقالات و بحوثا وكتبا كثيرة و متنوعة داخل ايران وخارجها . كيف خسر الشاه سلطانه ؟ وكيف انقلبت عليه الاوضاع وهو المؤيد والمدعوم بالقوى الاجنبية هذا هو السؤال الذي استحوذ على عقل الشاه نفسه وشل تفكيره ايام الانقلاب او الثورة .

و بعد فترة ليست بالقصيرة من انتصار الثورة الاسلامية ، وفي اطار كم هائل من الكتابات على هذا الصعيد ، ما زالت اسباب انتصار هذه الثورة سرا غامضا لم يكشف للكثيرين ، ودليل ذلك وجود او بروز تحليلات متناقضة و اراء متدافعة في كشف عناصر و عوامل الانتصار في هذه الثورة . التحدي الاكبر الذي واجه ويواجه المنظرين الاجانب في هذا السياق ، هو فقدانهم الرؤية الثقافية المقارنة ، او الفهم الملازم لتفاصيل مفردات هذه الظاهرة ، و ابعاد التحرك الثوري للشعب الايراني .

ربما يكون التحدي الاهم امام اغلب المحللين المحليين هو فقدانهم لعمق التحليل الذي يقودهم احيانا الى استخلاص نتائج سطحية في نهاية طرحهم وفي مثل هذا الحدث التاريخي الهام . اضافة الى ذلك ، هناك نقاط مهمة تتعلق بجوهر الثورة الاسلامية نفسها ، احداها : الانتصار السريع وغير المتوقع لهذه الثورة ، فضلا عن تباين القوى التي انصهرت فيها و شاركت في تحقيق انتصارها . وفي الحقيقة ، هناك اسباب وعوامل اخرى عديدة منها قيادة الامام الخميني (رض) و دور الاسلام والايديولوجية الشيعية والمشاركة الجماهيرية الواسعة وفرصة تعبئة الجميع في لحظات تاريخية حاسمة ، و كذلك الاجواء السياسية المفتوحة وانصعاق القوى العظمى ، ومرض الشاه ، وانهيار التنسيق بين الفعاليات الاقتصادية و الثقافية و السياسية (كعامل طارئ) ، كلها اجتمعت في لحظة تاريخية نموذجية واحدة وحققت ذلك الانتصار الخاطف الفريد .

لقد تم حصر و تجميع عدد من وجهات النظر المهمة المتعلقة بجذور وامتدادات وخلفيات الثورة الاسلامية الايرانية في هذا الكتاب ، كما ان اسباب انتصارها قد تم تصنيفها في ست مقالات او رؤى ، هي :

• نظرية المؤامرة .

• نظرية الحداثة .

• النظرية الاقتصادية .

• النظرية الدينية .

• النظرية الدكتاتورية .

• و نظرية القيادة الدينية .

فاصحاب نظرية المؤامرة بعيدون جدا عن الواقع وفي الحقيقة لقد كشف الزمن عن خواء نظرية المؤامرة هذه . وحتى لو كانت هناك بعض الشكوك في اذهان البعض في ايام الثورة الاولى مما يشير الى تدخل القوى العظمى وضلوعها في تحقيق الانتصار ، الا ان هذه الشكوك قد تبددت الان تماما لوقوع هذا الحدث التاريخي الهام ، ولم تعد لهذه الرؤية بعد هذه الفترة الطويلة اذن صاغية ، الا في عدد ضئيل لا يعتد به اصلا في الحسابات التاريخية المسؤولة .

1-جاءت المقالة الاولى تحت عنوان (( لمحة نحو مداخل مختلفة في دراسة الثورة الاسلامية الايرانية )) ل((حميرا مشيرزادة)) و خلاصة هذه المقالة تصح لان تكون مقدمة لعرض وجهات النظر الاولى وبعيدا عن التحليلات العلمية والاعلامية ، تناقش مشيرزادة خمسة عناصر مهمة ، مؤكدة على ما يلى :

- اهمية العوامل الثقافية .

- اهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية .

- العوامل النفسية .

- المدخل السياسي للثورة .

- المدخل السببي او منهج تعدد الاسباب .

ان الثورة ، كاي حدث اجتماعي اخر ، تتشكل من خلال اتحاد او ائتلاف عشرات العوامل الاقصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية . وكما هو مدون ، فان مقالة مشيرزادة تصلح ببساطة لتقديم التقنيات المختلفة لتحليل الثورة الاسلامية بحيث يمنح القارئ امكانية التصنيف ايضا وكذلك امكانية دراسة كل رؤية من الرؤى الواردة في اطارها .

2-سميت المقالة الثانية : (( التجديد والثورة الاسلامية ))  و هي ترجمة لتاريخ ايران بقلم نيكي كدي وقد ترجم هذا الكتاب الى الفارسية . تؤكد كدي ايضا على الاسباب المتعددة اكثر من تاكيدها على التحديث ، مثل الايديولوجية الثورية والعوامل الاقتصادية والسياسية .

و مع ذلك فانها تركز بشكل اساس على مسالة التحديث . انصار هذه النظرية يلاحقون بدايات الثورة وجذورها في مطلع الستينات . ففي تلك الفترة وتحت ضغط شديد من قبل الولايات المتحدة تبنى الشاه مشروع اصلاح الارض ومشاريع التنمية ، و لما كان التقدم في مشروع التنمية الاقتصادية قد واجه عقبات عديدة في ايران ولم يكن متوائما مع التنمية السياسية فقد نشبت ازمة حادة بين سنتي 1978-1979 م . و كان تآلف العوامل الاخرى هو السبب في اندلاع الثورة الايرانية .

تم في هذه النظرية رصد اهم اسباب انتصار الثورة الاسلامية ، اذ اصبحت قريبة جدا من هدفها الكبير .

ان مجرد تعارض بسيط بين التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي – الاقتصادي لا يمكن ان ينهض بتوضيح سر انتصار الثورة الاسلامية الايرانية . واذا وضعنا عوامل اخرى كالقيادة الفريدة للامام الخميني كعوامل ثانوية ، فاننا سنبتعد كثيرا عن الحقيقة . الذي يبدوا منطقيا هو ان نظرية الحداثة يمكن ان تجسد فقط كارضية مهمة لظهور الثورة الاسلامية و ( ضمور شرعية الامبراطورية ) او اضمحلالها .

3-الدراسة الثالثة هي : (( جمهورية ايران الاسلامية من منظور مقارن )) بقلم س.اميرارجمند .

هذه المقالة ترجمت الى الفارسية من قبل عباس زارع و تاتي اهمية هذا العمل في اقدام الكاتب على الفصل بين اسباب وشروط الثورة الاسلامية من جهة ، وبين روحانية هذه الثورة من جهة اخرى . في بنائه هذا وضع اميرارجمند المسائل الثقافية و الاجتماعية والاقتصادية في جانب ، والحوافز الاخلاقية والمعنوية والايديولوجية الثورية للتشيع كسبب مطلق للثورة في جانب اخر .

4-المقالة الرابعة : (( دور الايديولوجية والقيادة والامة في الثورة الاسلامية ))

منوجهر محمدي ، كاتب هذه المقالة ، في ترجمته لاسباب انتصار الثورة ، يقدم اولا الشعب ، بعدها يوضح مفهوم القيادة والدين كاهم عاملين في هذا الانتصار ، وفي الوقت نفسه يؤكد على الدين و يعطيه اهمية اكبر .

وفي الحقيقة ان هذه المقالة تهدف الى البرهنة على الدور الرئيسي للدين في انتصار الثورة .

5-البحث الخامس : (( الدين هو العنصر الاهم في انتصار الثورة الاسلامية )) لعميد زنجاني .

الكاتب المذكور كان ولسنوات عديدة يعتبر المرجع الاكثر اهمية في تشخيص المدخل العام ل(( جذور الثورة الاسلامية )) في الجامعات الايرانية . وهو يعتبر الدين العامل الاساس في انتصار الثورة فيما يعتبر العناصر الاخرى عوامل ثانوية مساعدة .

6-المقال السادس : الموسوم ب(( دراسة مقارنة لنظريات متباينة حول اسباب و حوادث الثورة الاسلامية )) بقلم صادق زيبا كلام .يحاول الكاتب تنفيذ النظريات الاربعة : المؤامرة ، الحداثة ، الاقتصاد ، الدين ، ويقدم عليها جميعا ( نظرية الدكتاتورية ) كاهم سبب لانتصار الثورة الاسلامية .

ان نظرية الدين تؤكد على ان ارهاصات الثورة الاولى بدات في الستينات ، بينما تؤكد وجهة نظر زيبا كلام بان افرازاتها الاولى لم تتبين الا في السبعينات . كما ان وجهة نظره هذه لا تشير الى ان النظريات الاربعة ، ولا اي منها ، يمكن ان ينهض بتقديم توضيح كامل لاسباب الثورة ، فضلا عن كون نقده للدعاوي الاربعة هذه جاء اكثر تفصيلا من محاولاته التوضيحية للبرهنة على دور الدكتاتورية .

7-المقالة السابعة تبدا بنقد سيد صادق حقيقت التفسيري للنظريات الخمسة ، و بعدها يطرح نظرية اخرى تحت عنوان : (( دور القيادة الدينية في انتصار الثورة الاسلامية )) .

على اساس هذه الرؤية ، يكون العنصر الاكثر اهمية في تاكيد هذا المبنى في تقويم الثورة و( اضعاف شرعية الملكية ) هو الحداثة او التحديث ، ومع ذلك فان العامل الاكثر حسما في تحقيق انتصار الثورة الاسلامية هو القيادة الدينية للامام الخميني (رض) . في هذه المقالة تم تمييزعامل القيادة هذا بشكل واضح عن عامل الدين ، اي عامل الزعامة الدينية عن الايديولوجية الثورية للشيعة .

لقد توصل السيد صادق حقيقت في دراسته النقدية للتحليلات السابقة الى القول بان القيادة الدينية للامام الخميني الراحل برزت كاهم عنصر من عناصر انتصار الثورة وانها وجهت اللطمة الاخيرة او الضربة القاضية للجسد نصف الميت للملكية البائدة .