..:: الموقع الرسمی للدکتور سید صادق حقیقت ::..
کل المقالات

باسمه تعالی

العلاقة بین الفکر السیاسی للنائینی و الکواکبی

سید صادق حقیقت[1]

عبدالرحمن بن أحمد بن مسعود الکواکبی (1265 ﻫ - 1320 ﻫ) ولد في سوريا، و قد قضی عمره فيما بين حلب والقاهرة، وغيرهما من بلاد المسلمين رجل إصلاحی کان یطمح الی تجدید الشریعة وفقاً لمتطلبات العصر. و استمّر بالعمل في صحيفة (الفرات) مدة أربع سنوات (1872- 1876)؛ و بعدها فی صحف اخری، و هی (الشهباء) و (الاعتدال). ثم عمل بالقضاء و المناصب العماریة يصطدم بنظام الدولة واستبداد الحكام وفساد الإدارة. التهم الکثیرة جعلته يهاجر إلى مصر سنة 1316هـ/1899م لينشر فيها فصولاً من كتابه طبائع الاستبداد في جريدة (المؤيد). «و لما يئس الكواكبي من اداء رسالة الاصلاح بالكتابة المحجور عليها في الصحافة المهددة بالتعطيل، قبل العمل في وظائف الحكومة کالعضویة في لجنة المقالات، و رئاسة قلم المحضرين في الولاية، و عضوية لجنة امتحان المحامين، كما عين سنة 1881م مديراً فخرياً للمطبعة الرسمية، ثم ثامن رئيس لبلدية حلب».[2] و من اعماله زيارة الرؤسا من الدول الإسلامية فطاف بسواحل إفريقيا الشمالية وغیرها. و قد ظهرت نتائج دراسته الاقتصادیة و الاجتماعیة في كتابين رئیسیین، هما طبائع الاستبداد و أم القرى. يقول الشيخ رشيد رضا الذي لزم صحبته طيلة إقامته في مصر واصفاً إيّاه:

«كان من أخلاقه الراسخة: الحلم، و الأناة، و الرفق، و النزاهة، و العزّة، و الشجاعة، و التواضع، و الشفقة، و حبّ الضعفاء. و لا أكاد أعرف أخلاقاً أعصى على الانتقاد من أخلاقه... ورث عن سلفه السادة الأُمراء علوّ الهمّة و قوّة العزيمة و عدم المبالاة بالأخطار، فهو من سلالة السيّد إبراهيم الصفوي الأردبيلي المهاجر إلى حلب».[3]

اما الشيخ محمّد حسين الغروي النائيني (1276ﻫ ـ 1355ﻫ) ولد بمدينة نائين في إيران. و في أوائل بلوغه، سافر إلى إصفهان لإكمال دراسته هناك، ثمّ سافر إلى سامرّاء و كربلاء المقدّسة و النجف الأشرف. و لاتزال آراؤه ونظرياته تتداولها الحوزات العلمية، و يُعبّر عنها باسم «مدرسة النائيني»، بحيث يُعدّ التطرّق لآرائه ضرورة علمية. و لم يكن المحقّق الشيخ آقا بزرك الطهراني مبالغاً حينما قال فيه: «أمّا هو في الأُصول فأمر عظيم؛ لأنّه أحاط بكلّياته، ودقّقه تدقيقاً مدهشاً، وأتقنه إتقاناً غريباً، وقد رنّ الفضاء بأقواله ونظرياته العميقة، كما انطبعت أفكار أكثر المعاصرين بطابع خاصّ من آرائه، حتّى عُدّ مُجدّداً في هذا العلم. و كان لبحثه ميزة خاصّة لدقّة مسلكه، وغموض تحقيقاته، فلا يحضره إلّا ذووا الكفاءة من أهل النظر». فانه كان (قدس سره) ذا نفسية قدسية كبيرة، حتّى قال عنه الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء: «كانت كلّ أحواله و أعماله و علومه تدلّ على نفس كبيرة ذات قدسية كريمة، قليلة النظير أو معدومة المثيل». برز اسم الشيخ النائيني مرجعاً دينياً في الفتوى والتقليد بعد وفاة الشيخ فتح الله الإصفهاني المعروف بشيخ الشريعة، فراجع إليه الناس في التقليد. وعند الأعلان عن «السلطة المشروطة»[4] في إيران فی سنة 1324هــ، كان النائيني من أكبر الدعاة إليها، و ألف كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة بالفارسية في لزوم مشروطية و دستورية الدولة لتقليل الظلم على أفراد الأمة وترقية المجتمع. و قرظ علیه الشيخ ملاكاظم الخراساني، و الشيخ عبدالله المازندراني؛ و هما من کبار علماء الشیعة آنذاک. فی الحقیقة، فان  تنبيه الامة وتنزيه الملة كتاب رائد في قضية الفقه السياسي الاسلامي و النظام الاسلامي في الحكم. و قد قیل أن الشيخ النائيني (قدس سره) في أيام مرجعيته العلمیة قد امر بجمع نسخ كتابه هذا و اتلافها.[5] فقبل عبدالهادی الحائری هذا القول استناداً الی قول ابن الشیخ، میرزا علی النائيني (1356-1287ش)؛[6] لکن آیة الله محمود الطالقانی انکر هذا الامر.[7] اما حسب اعتقاد الاستاذ المطهری، ان النائيني امر بجمع کتبه فی آخر عمره؛ و ذلک اِثر الضغوط التی کانت ملمة بالعلماء. و قد رأی الشیخ مهدی الغروی النائيني، ابنه الثانی و امینه فی الاموال، ان هذا القول لیس بصحیح؛ لانه لو کان لبان لی؛ و ایضاً هذا الکتاب معتمد علی الادلة الفقهیة؛ مضافاً الی تلامذة ابی قد یستندون بهذه المبانی. و الذی یسهل الامر هنا هو انه لا اعتماد علی جمع و اتلاف تنبیه الامة بامر النائيني؛ لانه لا سند له. فان الکتاب مبنی علی ادلة فقهیة اجتهادیة تناسب مبانی الشیخ. لقد تم تاليف الكتاب سنة 1909م ، ومن المعروف ان مرجعية الشيخ النائيني (قدس سره) قد ظهرت بعد وفاة شيخ الشريعة (قدس سره) سنة 1920، و معلوم ان العلامة النائيني (قدس سره) ظل متمسكاً بفكرته الدستورية حتى سنة 1925م.

و نحن فی هذا المقال نسعی لدراسة و مقارنة آراء الکواکبی و النائيني حول مسئلة التقریب، و الاستبداد و اسلوبة مواجهته، و حول مسئلة الدیمقراطیة و العلمانیة.

 

الاستاذ الکواکبی و التقریب

لقد اتخذ الکواکبی موقفه فی مسأله التقریب فی  أُمّ القرى، و هو أوّل كتاب نشر للكواكبي. و الکتاب هو تسجیل ما القی فی ندوات مؤتمر إسلامي عالمي حضر فیه من جميع البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، عقد في مكّة المكرّمة في سنة 1316 هـ (1899م). و قد عنی هذا المؤتمر بقضیة خلافة المسلمين و بحث أحوال المسلمين، وأسباب تأخّرهم. قد رجّح الأُستاذ أحمد أمين القول بان هذه الجمعية من نسج خياله.[8] و تکمن أهمية هذا كتاب فی شموله لكلّ ما يهمّ المسلمين من قضایاهم الدينية والمعيشية و السياسية، و في كونه أوّل دراسة عربية وإسلامية عن أوضاع العرب والمسلمين في الشرق، و اسباب تأخّرهم عن الحضارة. فانه بحث عن الخلافة و قرارات الشورى الإسلامية. تعدّ افکار الكواكبي من أبرز الأفكار الهامّة والمؤثّرة على الصعيد الوحدوي، فاهتمّ بإيضاح تلك الأزمات، وسعى إلى معالجتها، معتبراً أنّ السبب الحقيقي لانحطاط المجتعات الإسلامية وتخلّفها وتفرّقها یعود الی مقولة الاستبداد. و يشدّد الكواكبي على مسألة الوحدة وأهميتها رغم طرح الوحدة الإسلامية في أفكار السيّد جمال الدين والشيخ محمّد عبده. فانّ الكواكبي يتناول هذا الموضوع بدقّة وعمق اکثر في كتابه أُمّ القرى في إطار تشكيل اتّحاد إسلامي؛ و یسجل المحاورات و المناقشات الدائرة بين أعضاء المؤتمر الإسلامي حول أسباب ضعف المسلمين و تخلّفهم و ما ادی الی انحطاط المجتمعات الإسلامية، و سبل معالجتها بصورة تدريجية. يری بعض الباحثين أنّ فكرة هذا الكتاب متخذة من فكر السيّد جمال الدين الأسدآبادي، خاصّة اذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ أساس فكرة تشكيل المؤتمر الإسلامي في مكّة يرجع إلى السيّد جمال الدين خلال إحدى مقالاته في جريدة «العروة الوثقى »؛ لکن الكواكبي لايصرّح بصورة مباشرة بأفكار السيّد جمال الدين، مع ان ما حرّره الكواكبي هو أوّل انعكاس قوي ومباشر عن أفكار السيّد جمال الدين الوحدوية.[9] و الكواكبي يؤكّد على ضرورة تشكيل أحزاب وتجمّعات وتنظيم مؤتمرات في سبيل تحقيق وحدة المسلمين تحت راية الإسلام، كما قدّم بعمل إحصائية متكاملة حول آلام المجتمعات الإسلامية، منها: الانحراف في الرؤية العقائدية، و الاستبداد، و فقدان الحرّيات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم المبالاة بأحكام الدين، وعدم إيفاء علماء الدين بمسؤولیاتهم، وفقدان القيادة المشتركة، والفقر المادّي، والجهل، وعدم الاهتمام بتعليم و تهذيب النساء، والفساد الإداري والاقتصادي . و معالجة هذه الأزمات لاتتم الا عن طريق إيجاد منظّمة دائمة مستقلّة غير تابعة لأيّة حكومة أو نظام حاكم تُعنى بإصلاح أوضاع المسلمين. فقد تشكّلت منظّمات متعدّدة في القرن العشرين، لها دور بارز وفعّال في معالجة القضايا التي تهمّ العالم الإسلامي، اقتداءً بأفكار السيّد جمال­الدين و الكواكبي. فللكواكبي و من سبقه و لحقه من المصلحين کالشیخ شلتوت و السید البروجردی اطروحة الوحدة الإسلامية الشاملة من خلال التمسّك بالتعاليم والمبادئ الإسلامية، بغضّ النظر عن الاختلافات المذهبية والتشرذم الطائفي، و دفاعاً عن هوية أُمّة الإسلام وثقافتها ضدّ الأطماع الغربية وأهدافها التوسّعية.

لقد قال الكواكبي: «قد نشأ هذا التحوّل [أي تحوّل نوع السياسة الإسلامية من الديمقراطية إلى المَلِكية] من أنّ قواعد الشرع كانت في الأوّل غير مدوّنة ولا محرّرة، بسبب اشتغال الصحابة المؤسّسين (رضي الله عنهم) بالفتوحات، وتفرّقهم في البلاد، فظهر في أمر ضبطها خلافات و مباينات بين العلماء، وتحكّمت فيها آراء الدُخلاء، فرجّحوا الأخذ بما يلائم بقايا نزعاتهم الوثنية، فاتّخذ العمّال السياسيّون ـ ولا سيّما المتطرّفون منهم ـ هذا التخالف في الأحكام کوسائل للانقسام والاستقلال السياسي، فنشأ عن ذلك أن تفرّقت المملكة الإسلامية إلى طوائف متباينة مذهباً، متعادية سياسة، متكافحة على الدوام. و هكذا خرج الدين من حضانة أهله، وتفرّقت كلمة الأُمّة، فطمع بها أعداؤها، وصارت معرّضة للمحاربات الداخلية والخارجية معاً، لا تصادف سوى فترات قليلة تترقّى فيها في العلوم والحضارة على حسبها». و قال في موضع آخر : «إنّ الاختلافات الموجودة في الشريعة ليست كما يظنّ شاملة للأُصول، بل أحكامه صريحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة، أو ثابتة بإجماع الأُمّة الذي لايجوّز العقل فيه أن يكون عن غير أصل في الشرع. أمّا الخلافات فإنّما هي في فروع تلك الأُصول وفي بعض الأحكام التي ليس لها في القرآن أو السنّة نصوص صريحة». و المهم «إنّ اختلاف الائمّة يكون رحمة إذا حسن استعماله، ويكون نقمة إذا صار سبباً للتفرقة الدينية والتباغض». و قال في معرض حديثه عن شروط تآسیس جمعية «أُمّ القرى»: «يجب أن يكون الأعضاء كلّهم متّصفين بستّ صفات عامّة، منها، سلامة الحواسّ، و كون السنّ بين الثلاثين والستّين ابتداءً، و الإسلامية، من أيّ مذهب كان من مذاهب أهل القبلة».[10]

هذه العبارات وغيرها تدلّ دلالة واضحة على فکره الوحدوی، و مبناه التقريبي، و مواقفه الإصلاحية، و عزمه لترميم البيت الإسلامي من خلال دعوته إلى الوحدة الإسلامية، و رغبته في إيجاد الاتّحاد والتقريب بين ابناء الامة الاسلامية.

 

الکواکبی و مشکلة الاستبداد

لقد كتب الكواكبي طبائع الاستبداد في حلب على مسوّدات لم تجمع في كتاب، حملها معه إلى مصر في هجرته في 1318 هـ (1900 م)؛ وقدّمها من خلال مقالات للصحف القاهرية، ثمّ جمعها وطبعها طبعة أُولى. هذا الكتاب دراسة فلسفية للاستبداد والحكم الفردي للمستبدّ، ولمعنى الحرّية و الطرق التي يتبعها المستبدّ في سبيل كبت الحرّية وإخضاع أفراد الرعية لمشيئته. و قد یعنی الكواكبي بالاستبداد والمال، الاستبدادية وأثرها في الثروة أو الحالة الاقتصادية في البلاد. فهو يرى الخير في نوع معتدل من شيوع الثروات وتقسيمها بالتساوي. فقد مال الإسلام إلى فرض الزكاة من رؤوس الأموال، وحرّم الربا. فهو يبين تأثير المال على الدين والشرف والحياة كلها، ويبين أن ثمة قوانين من المفترض أن تنظم شؤون المال. يقول الکواکبی في کتابه المعروف ب «ام القری»: "الاستبداد لو كان رجلا و أراد أن يحتسب و ينتسب لقال: أنا الشر، و أبي الظلم، و أمي الإساءة، و أخي الغدر، و أختي المسكنة، و عمي الضر، و خالي الذل، و ابني الفقر، و بنتي البطالة، و عشيرتي الجهالة، و وطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال، المال، المال".

و تحقیق التقدّم، علی رأی الکواکبی، منوط بإزالة الاستبداد أوّلاً؛ و قد اقترح هو أن يتمّ ذلك بالتدريج، بالاعتماد على تكاتف الواعين وتعبئة الرأي العامّ للمشاركة في التغيير المنتظر وفي صياغة الهدف وتحقيقه بعيداً عن القوّة والعنف. فان الثورة الحقيقية لايمكن أن تؤتي ثمارها إلاّ بعد الوعي بإمكانیاتها وأهدافها وتجنيد الأدوات اللازمة لانتصارها. فهو يبدو ان یکون ثورياً متعقّلاً، بدأ بإصلاح مفاهيم الدين السائدة لإصلاح الفكر وتوحيد الرأي العامّ، مستعيناً على ذلك بملاحظاته حول ما فعله الإصلاح الديني في الفكر الغربي، ومنطلقاً أيضاً من اعتقاده بأنّ الدين هو حامل هذه الثورة، و أنّ الإصلاح الديني هو أقرب طريق للإصلاح السياسي، مع إدراكه أنّ الإصلاحات كلّها مترابطة ومتكاملة.[11]

أقبح أنواع الاستبداد، علی رأی الکواکبی، استبداد الجهل على العلم و استبداد النفس على العقل؛ و انما يرى « أن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور. و أن تراكم الثروات المفرطة مولّد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد. المستبد یخاف من العلوم التي يمكن لها أن تحرّض الناس على نيل حقوقها، كالحكمة النظرية والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، ونحو ذلك من العلوم التي تكبر النفوس وتوسّع العقول وتعرف الإنسان ما هي حقوقه. المستبد يتجاوز الحدّ ما لم يرَ حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظالمُ على جنب المظلوم سيفاً لَمَا أقدمَ على الظلم، و كما يُقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب». فالمستبد:

1ـ ظالم يحكم الناس برأيه وهواه: «المستبدّ يتحكّم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم، و يعلم من نفسه أنّه الغاصبُ المتعدِّي فيضعُ كعبَ رجلِهِ على أفواهِ الملايين يسدُّها عن النطقِ بالحقِّ والتداعي لمطالبته».

2ـ «يضغط على العقل فيفسدَهُ، ويلعب بالدينِ فيفسده، ويُحارب العلمَ فيفسدَه». فالاستبداد أصلُ المفاسد.

ممارسات المستبد انما هی محاربة العلم وإشاعة الجهل (إنَّ الاستبدادَ والعلمَ ضدّان  متغالبان، فكلُّ إدارةٍ مستبدّة تسعى جهدها في إطفاءِ نورِ العلمِ وحصرِ الرّعيّة في حالك الجهل) و محاربة العلماء والتنكيل بهم (والغالب أنّ رجال الاستبداد يُطاردون رجالَ العلم ، ويُنكِّلونَ بهم ، فالسّعيدُ منهم مَن يتمكّن من مهاجرةِ دياره). فعلى العلماء توعية الناس: (والعوامُ صبيةٌ أيتامٌ نيامٌ لا يعلمون شيئاً ، والعلماء هم إخوانهم الرّاشدون، إنْ أيقظوهم هبّوا، وإنْ دعوهم لبُّوا، وإلاَّ  فيتَّصل نومهم بالموت). فأن الاستبداد أصل لكل فساد، فيجد أن الشورى الدستورية هي دواؤه.

ولا ننسى ـ يقول العقّاد ـ أنّ الكواكبي كان يتحرّى فيما يكتب ويعمل شيئاً واحداً لا ينحو عنه بفكره ولا بقوله، وهو محاربة الاستبداد،[12] ولئن كان الكواكبي قد أسهب في وصف الاستبداد وفي تعريف الأُسس التي ينهض عليها. وفي مقابل أشكال الاستبداد الأربعة ـ والتي هي : (الأُصلاء، المتعمّمون، الأثرياء، الحكّام) ـ وضع الكواكبي بدائله على أنّها: المساواة، والحرّية، والعدالة، والشورى، ثمّ جمع ذلك كلّه في الرابطة الإسلامية، والتي رآها حلاًّ شاملاً لأزمات أُمّته.[13]

 

الاستبداد و المشروطة عند العلامة النائيني

قال رشید الخیون:

"كان للمشروطية والمستبدة فقهاء ومفكرون. هؤلاء ينظرون و اولئك يفتون و يحشدون الاتباع حولهم و بطبيعة الحال كانت العامة تلتف حول المستبدة، لان الاقناع بالتغيير او التجديد له متطلباته الثقافية و الحضارية. اما المحافظة على الوضع السائد فلاتكلف غير تقوية وازع ديني. لذا نجد ان اغلب اتباع المشروطية كانوا من المتنورين من ادباء وشعراء ومتمردين على الاستبداد، وفي مقدمتهم الميرزا النائيني صاحب كتاب تنبيه الأمة وتنزيه الملّة".[14]

فان الاستبداد، عند النائيني، هو علة العلل في انحطاط إيران و تخلفها عن ركب الحضارة. و لذلك رفض الاستبداد، و انكر على الشاه (الملك) سلطته المطلقة، ويؤكد على أن تكون السلطة محدودة ومشروطة. فيجب أن تحدد سلطات الملك بالقانون. فيرى أن استبداد الحاكم هو السبب الأول في التخلف؛ وهو من أهم العوامل المؤدية إلى انحسار الفكر والعلوم و اشاعة الجهل و ان السبيل الوحيد للخلاص من ذلك الواقع المتهرئ هو إقامة حكومة مقيدة بالدستور يحكمها القانون، ذلك لان الاستبداد في جميع حالاته و ألوانه قائم على الاذلال و القهر و مصادرة الحريات بينما الحكومة الدستورية هي (حافظة للمصالح العامة و حارسة لها، تقوم على أساس من القسط و العدل)؛ و الشعب الذي يحكمه هذا النمط من الحكومات هو شعب حر ينبض بالحياة؛ وعليه يمكن اعتبار الاستبداد والاستعباد عامل الانحراف الأساس و الوحيد، في حين أن اطلاق الحريات هو العلاج الأمثل والوحيد لهذا الداء، فاقامة الحكومة الدستورية المقيدة بالقانون تلعب دوراً مهماً في توفير الحريات اللازمة للقضاء على الداء.

و قد يبدو أن النائيني قد استلهم هذه الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد لـلكواكبي، لأننا إذا تعمقنا في أسس كتاب النائيني نجد انه يقوم على دُعامتين:

الأولى: التركیز على رفض الاستبداد،

و الثانية: التنظير لطبيعة السلطة الدستورية بحثاً ودراسة. فأن كتاب طبائع الاستبداد كان ملهمه في الركيزة الأولى. و من اكثر آراء الكواكبي تأثیراً علی النائيني هي معالجة الاستبداد للاسباب الداخلية التي ادت إلى هزيمة الأمة الإسلامية وانحطاطها ذلك لأن الكواكبي قد تأمل بعمق في أسباب التخلف عند الشرق وحددها بالعامل الداخلي وانهيار جبهتها وضعفها، وهو ما اتاح الفرصة للاستعمار في السيطرة على الشرق. فانه يكتسب هذا الاستدلال أهمية مضاعفة إذا عرفنا أن الكثير من المثقفين والكتّاب يُعزُون الأسباب في مشكلات الشرق إلى عناصر مختلفة مثل القضاء والقدر، و ذنوب العباد، و عدم وجود قيادة سليمة، و الموقع الجغرافي والاقليمي، و الاختلافات الداخلية، و جهل الحكام و ما إلى ذلك من أسباب.[15] لکن المفکر الایرانی حمید عنایت یری تنبیه الامة و تنزیه الامة اکثر دقة و انسجاماً من طبایع الاستبداد؛ و تحاكي أفكار النائيني آراء الكواكبي عندما يطرح مسألة الاستبداد الديني والسياسي؛ فيعتقد أن الاستبداد الديني اشد وقعاً و تأثيراً من الاستبداد السياسي لأن الاستبداد السیاسی یسهل علاجه. و قد ربط الكواكبي بين هذين الاستبدادين؛ و قال: «أن الاستبداد السياسي هو وليد الاستبداد الديني. هناك تلازم لاينفك بين الاستبدادين الديني والسياسي؛ و عندما تجد أحدهما في أي مجتمع فان الثاني لابد أن يوجد، و إذا زال احدهما فان الثاني زائل لامحالة؛ و هذا يعني انه إذا صلح احدهما سيصلح الآخر تبعاً له، و الشواهد على ذلك كثيرة تبرهن على أن تأثير الدين اكبر و اقوى من السياسة و لايخلو زمان أو مكان منها؛ وعندما تريد إصلاح السياسة فان اسهل الطرق واقصرها إلى ذلك هو إصلاح الدين». و لذلك يعتبر الكواكبي السياسة بأنها تتحكم بالجسم بينما يتحكم الدين بالروح؛ و ان هناك تلازماً بینهمه یکمل احدهما بالاخر؛ فعندما يقع الاستبداد على الجسم فانه قبل ذلك كانت الروح قد تعرضت له. و من هنا فان الناس العاديون یرون في الظالمين الذين يحكمونهم صفات و اسماء وحالات لاتليق إلا بالله، فيرفعون مكانة حكامهم إلى درجة يشتركون مع الله في صفاته واسمائه بحيث لايمكن للبشر العادي أن يصل إليها فمثلاً ما الفرق بين صاحب الجلالة و عز و جل، أو بين فعّال لما يريد و بين الحاكم بأمره و بين الله الذي لايسأل عما يفعل وبين الملك الذي يتمتع بالصيانة فلايتعرض للمسالة والمحاسبة أو بين المنعم الحقيقي و وليّ النعمة، و لذلك فانهم يعظمون ملوكهم و جبابرتهم كما يعظمون الله. لقد قال جمال البنا:

«وقد كشف باحث عن أهمية خاصة له عندما وجه الأنظار إلى الترجمة الفارسية له التي صدرت عام 1907 و تأثيرها على أحد المراجع الشيعية البارزة و هو السيد محمد حسين النائيني و كتابه تنبيه الأمة وتبرئه الذمة الذي صدر سنة 1909 و الذي يماثل في روحه طبائع الاستبداد».[16]

کما یقول محمد دکیر، تبرز أهمية تنبيه الأمة وتنزيه الملة من جهة يعالج عملية تأصيل شرعي للعمل السياسي، و بالخصوص الحقوق السياسية للفرد والأمة والتي بتحقيقها يُحجم الاستبداد السياسي إن لم ينته. و من جهة أخرى، يقدم انطباعاً خاصاً يتعلق بالفقيه أو المجتهد، وبخصوصية موقعه و هو ينبري لمعالجة قضايا الأمة المستحدثه ومشاكلها. وعلى الخصوص مشاركته في التنظير و تأصيل المذهب الإسلامي السياسي. وما يترتب على ذلك من حقوق ظلت مسكوتاً عنها، لا يوليها الفقيه المسلم سنيا كان أم شيعياً أي اهتمام يذكر إلا في حالات نادرة قليلة. أما سبب اختيار هذا الكتاب لجعله منطلقاً لمعالجة احدى عمليات التأصيل للنظام السياسي الإسلامي، فإن ذلك يرجع لعدة أسباب: أولها، أن هذه الرسالة تعتبر باكورة التأليف في هذا الميدان في الأزمنة المعاصرة. فقد كتبت في البدايات الأولى لهذا القرن. ثانياً: ما احتوته هذه الرسالة من نقاش علمي رصين لتأصيل الحقوق السياسية وعلى رأسها قضية الشورى وحق الأمة في المشاركة في تسيير شؤونها العامة. ثالثها: الفهم والاستيعاب العميق للتطور السياسي في الغرب من طرف فقيه مسلم شيعي إمامي بالخصوص و أخيراً الرغبة في إغناء الفكر السياسي الإسلامي بالتذكير بهذا الأبداع الذي لفّه النسيان أو كاد لتحقيق التراكم النظري في هذا المجال، و اثراء الخليفة المَعرفية السياسية لابناء الصحوة الإسلامية. خصوصاً و ان موضوع الشورى والديمقراطية مازال طريا تتداوله الأقلام و ألألسن. لأننا لم نقطع بعد صِلاتنا العميقة والتاريخية بالإستبداد السياسي.[17]

فان العلامة النائینی هو اول من كتب عن الفقه السياسي بنحو جدید مناسب للنظام الدیمقراطی و للحضارة و التجدید، لمعالجة الازمة الدستورية التي نشبت في ايران و التي عرفت بالصراع بين المشروطة والمستبدة، اذ يشير في كتابه الى:

1- ضرورة الحكومة التي تقوم على ادارة الشؤون السياسية العامة و تنظيم المدن و حفظ الحدود و تجميع الضرائب و صرفها في المصالح العامة؛ و هي مهمة كل حاكم و اهمالها يؤدي الى اضطراب النظام العام الذي لا يسمح الشارع المقدس به . إذا كان لابد للناس من إمام بر أو فاجر كما يقول الإمام علي (عليه السلام)، فإن الشيخ النائيني يقترح ضابطين رئيسيين لهذا الحكم للحيلولة دون قيام استبداد سياسي، يغتصب في آن واحد منصب الإمام الغائب و حقوق الناس و الرعية؛ و هما:

 

أ- ايجاد دستور واف بالتحديد المذكور يتضمن رسمياً كيفية إقامت تلك الوظائف، و درجة استيلاء السلطان و حرية الأمة؛ اي وضع الميثاق الاساسي الذي يحدد «طبيعة السلطة و دورها، و كذلك مجموع الحقوق و الواجبات الأساسية للمواطنين. وهذا الدستور الوافي كما ذكر الشيخ النائيني، لايعتبر في صحة مشروعيته سوى عدم مخالفة بنوده للشريعة الإسلامية. فهو حسب هذا الفقيه الإمامي، يجب ان يكون مشابهاً للرسائل العملية التي يكتبها الفقهاء و المجتهدون لتقليد العامة لمعرفة الحلال من الحرام و جميع تفاصيل القضايا الدينية و التعبدية منها بالخصوص. و الحقيقة، ان هذا الوصف فيه من الدقة والشمولية، وهو اقتراح جيد لو تعمل به الدساتير العربية والإسلامية اليوم. فالمسائل الإسلامية مبوبة و مفصلة بشكل دقيق لاتترك مسألة صغيرة أو كبيرة يحتاجها المسلم في حياته العملية إلا ذكرت وصفها و حكمها الإسلامي من حلال أو حرام، من وجوب أو ندب أو كراهية. وبالتالي، فالدستور يجب ان يوضع على شاكلة هذه المسائل أو الفتاوى، و يوزّع على نطاق واسع بحيث يحصل كل مواطن على نسخة منه، ليطلع عليها، و يعرف من خلالها حقوقه و واجباته داخل الدولة الإسلامية. و تبرز أهمية هذا الأقتراح العملي في كونه أهم وسيلة للتثقيف القانوني داخل الأوساط المجتمعية و مدخلاً ليس لمعرفة الحقوق و الواجبات فقط، ولكن لإنتشار الوعي الحقوقي و السياسي على نطاق واسع. و لو تحقق ذلك لتقلص فعلاً حجم الجهل و انتهاك حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، سواء من طرف الحكومات أو من طرف المواطنين انفسهم.

ب- إحكام أساس المراقبة والمحاسبة؛ وهذه المراقبة للسلطة ومحاسبتها لن تتأتى إلا عن طريق قيام مجلس لمندوبي الأمة، الخبراء في السياسة الداخلية والخارجية. فان مهمته الرئيسية انما هی مراقبة القوة الاجرائية و منعها من السقوط في الأخطاء و الاستبداد. على أن يكون المجلس ومندوبوه مسؤولين أمام الأمة بدورهم خاضعين لمراقبتها العامة. من ثم فالأمة رقيبة على الحاكم باستمرار أولاً بما هي ملزمة من وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثانياً بما هو واجب لها من حق الشورى، وثالثاً: بما هي مأمورة به من بذل النصح. رابعاً: بمالها من حق بوصفها الطرف الأول في عقد الإمامة. اذ هي بمقتضى ذلك العقل منحته حق الحكم و أمرته بالسلطة، و ما هو إلا وكيل عنها. فلها الحق أن تسأله عن عمله...». و المراجع لتاريخ الإسلام يرى أن هذين الأصلين ــ أي المحاسبة والمراقبة ــ قد عمل بهما في صدر الإسلام مما دفع بالمجتمع الإسلامي نحو الرقي و التقدم. فان التصدي للولاية، علی رأی النائيني، لا يخرج عن كونه حسب مجرد أجير أو أمين يحمد على إحسانه و يعاقب على إساءته، و لايمكنه ان يجرد أفراد الرعية من حق الأعتراض، إذا ما اقترف تجاوزاً ما يخص حدود الشريعة أو مصلحة الأمة. لأن النقد والأعتراض «غيرمقيد بارادات السلطان التحكمية و ميوله القلبية، وهذه السلطنة تسمى: المحدودة والمشروطة والدستورية. والقائم بهذه السلطة يسمى الحافظ والحارس و المسؤول». والأمة المتنعمة بهكذا نظام تكون أمة «محتسبة و حرة و حية».

2- اعتماد مبدأ الشورى في الامور غيرالمنصوص عليها في الشريعة ـ أي الامور التي عرف حكمها بدقة و وضوح وهي غيرقابلة للتغيير مع اختلاف الزمان والمكان ـ وان معظم الامور السياسية هي من غيرالمنصوص عليها. ان الشورى في الصطلاح الشرعي هي: «استطلاع رأي الأمة المسلمة، أو من ينوب عنها. وقد نص القرآن على هذا مبدأ الشورى، قال الله تعالى «وشاورهم في الأمر»؛ و معلوم أن الآية تخص مجمل الأمور الحياتية والسياسية وليس التشريع في اساس الأمور العبادية، و كذلك قوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم». و الأمثلة التطبيقية لهذا المبدأ على عهد الرسول كثيرة، حيث كان (صلى الله عليه وآله و سلم) دائم التشاور مع أصحابه و ذوي الفهم و الخبرة منهم في كثير من المجالات و المواقف؛ و هو القائل (ص): «أشيروا علي أصحابي» و قد استشارهم في وقعة أحد. فكان رأي الأغلبية الخروج للحرب، فخرج (ص) مع أنه كان يرى عكس ذلك. و لما تولى الإمام علي الخلافة، درج على مشاورة أصحابه في مجمل الأمور، بل كان يطلب منهم النصيحة و يحثهم على ابدائها، دون خوف أو تهيب، يقول في خطبته له بصفين: «فلاتكلموني بما تكلم به الجبابرة، و لاتتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، و لاتخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا إلتماس اعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل ان يعرض عليه، كان العمل بهما عليه أثقل. فلا تكفوا عن مقالة بحق، و مشورة بعدل...».[18] و عليه فإن النصوص القرآنية والحديثية الخاصة بموضوع الشورى، بالإضافة إلى سيرة الرسول والخلفاء الراشدين من بعده وعملهم بالشورى في جميع القضايا، تعتبران التأسيس الشرعي «للركن الأول للنظام السياسي في الإسلام، بل جوهر هذا النظام في نهاية المطاف، جملة وتفصيلاً، لأنه إذا كان لابد لكل نظام من مبدأ أو ركيزة يقوم عليها، فإن ركيزة النظام السياسي الإسلامي هي الشورى». فالنائيني يؤكد هذا الفهوم المجمع عليه للشورى. و يرى أن الرسول(ص) والإمام علي في مشاورتها انما كانا يضعان الأساس للسعادة المتمثل في اعتماد الشورى كسلوك سياسي بعيداً عن التصور الاستبدادي الفرعوني للحكم. فمشاورتهما لم تكن خوفاً من عدم إصابة الحق، لأن مقام العصمة ينافي ذلك. ولكن عملهما بالشورى كان لترسيخ أصلين مهمين وهما «حرية الأمة ومساواتها مع شخص الخليفة في الحقوق النوعية». وبناء على ذلك فالتحفظ على السلطنة وتحديدها من آكد الفروض الملزمة لنا اليوم، ومجمل الأحاديث والروايات والوقائع التاريخية في هذا المجال هي بمثابة السيرة الإرشادية لكل حاكم أو خليفة أو والي يتصدى لتسيير أمور المسلمين. و لهذا فليس هناك فرق بين الفقيه و غیره و الشيعي و غیر الشیعی؛ فالكل متساوون في هذا الحق؛ و يجب أن تؤخذ نظراتهم و آراؤهم في الأمور السياسية و شؤون الدولة الأخرى، ومن هذا المنطلق كان العلامة النائيني يرفض المجالس التي يشكلها الملك أو الحاكم من الأعيان و الأشراف أو الأمراء و الخاصين و لايرى فيها القدرة على الدفاع عن حقوق الأمة لأنه كان يعتقد: «إن أساس الحكومة الدستورية يقوم على مشاركة الشعب و جميع أفراد الأمة و لايتحقق هذا إلا بتأسيس مجلس عام للشورى يضم فضلاء و عقلاء الأمة و ممثليهم المنتخبين».[19]

وهنا لا ننسى الجدل الذي دار وما يزال یدور حول إلزامية الشورى من الناحية الشرعية؛ لأنه وجد من الفقهاء من لايرى بالزاميتها للحاكم، و هم بذلك ينتصرون للإستبداد و يدعمون الحكم المطلق. لأنه بغض النظر عن الوجوب الشرعي فإن «انفراد شخص بالفصل في أمر عام يتعلق بالجميع دون اعتبار للآخرين، ظلم و اجحاف؛ و هو يتضمن ــ أيضاً ــ نوعاً من تعظيم النفس واحتقار الآخرين، و هي صفات اخلاقية مذمومة لايمكن ان توجد في المؤمن ذرة منها». و إذا كانت الشورى أساس الحكم الإسلامي بنص القرآن والسنة، وتحديد السلطة أضحى من ضروريات الدين فلابد لتحقيق وجودهما من الإستناد على «قوة خارجية رإدعة ومسددة تقوم بقدر القوة البشرية مقام القوة العاصمة الإلهية، و لاأقل من أن تحل محل القوة العملية وملكة العدالة»؛ وبالتالي فوجود هيئة ناظرة أو مجلس المندوبين من الأمور المسلمة والضرورية. لأنه سيقوم بمراقبة و تسديد عمل القوة الأجرائية والتنفيذية التي تكون وظائفها وأعمالها قد حددت سلفاً طبقاً للقوانين و التشريعات المنصوص عليها. و بذلك نكون قد أغلقنا الباب و أحكمنا إغلاقه على بروز حالة الإستبداد السياسي أو استفحالها. و هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل التي تصبح الأمة فيها منتبهة لحقوقها، ممارسة لحرياتها، متحررة من كل رقية أو طغيان.

لقد كان تدوين الدستور الدائم للبلاد من أهم الانجازات التي قامت بها الحركة الدستورية؛ و في نفس الوقت من أهم القضايا التي شنع بها المدافعون عن الاستبداد (المشروعة) على المطالبين بالنظام الدستوري؛ فلقد كان من آرائهم (مع العلم بأن حفظ النظام في كل العالم لايكون إلا بسنّ القوانين الضابطة إلا أن جميع المسلمين المتدينين يعلمون جيداً بأن أفضل القوانين لذلك هي القوانين الإلهية، وعليه فنحن لسنا بحاجة إلى وضع قوانين جديدة أبداً). و إذا كان لهذا المجلس النيابي بحكم الشورى والالتزام بقواعد القانون والشريعة، قدراً من العصمة تمنعه من الوقوع في الخطأ تماشياً مع ما قرره علماء الإمامية، ومحققاً لملكة العدل والتقوى والعلم التي إشترطها علماء أهل السنة في أهل الحل والعقد، فاعلم ــ يقول الشيخ النائيني ــ بأن الركن الأعظم لهذا التحفظ، الأصل لهذه المراقبة هو وضع الدستور»، الذي بموجبه ستتحدد الوظائف و القوانين المنظمة للمسؤوليات و حقوق جميع الأفراد والمؤسسات. فهو بمثابة رسالة عملية سياسية توضع بين يدي المواطنين لمعرفة الحقوق و الواجبات كما أسلفنا. فانه من أهم الأصول التي يعتمدها النظام الدستوري (المقيد بالدستور) و كذلك المجتمعات الحرة و المتقدمة هو أصل المساواة أمام القانون بلاتمييز بين جميع أفراد المجتمع. و هذه القضية رغم وضوحها وصلاحيتها و عدم منافاتها للعقل أو الشرع، لكننا عشنا قرون طويلة، كما يقول النائيني، لانرى لداء الإستبداد الذي يهدد كياننا علاجاً، و ان كانت الأمم قبلنا قد تجرعت الألم من جراء نفس الداء، مما حفزها لايجاد الدواء و العلاج الشافي لهذه العلة الخبيثة. و من ثم أحرزوا تقدماً و سبقاً علينا. إلا أننا و مع استطاعتنا استنباط مثل هكذا علاج من أصول شريعتنا و موادها، إكتفينا بانتظار القائم (المهدي المنتظر) أو دعم هذا الإستبداد و إيجاد المبررات الشرعية و الواقعية له بتأويل النصوص الدينية أو تفسيرها بما يتلائم مع ميولات الحكم السياسي. و بهذا المشروطة واجبة من باب دفع الافسد بالفاسد؛ اذ به یدفع ما هو اکثر فساداً (النظام الاستبدادی). فان فی المشروطة ظلماً فی حق الامام (ع)، و فی النظام الاستبدادی ظلماً علی الله تعالی، و الامام (ع) و الناس.

لقد استفاد العلامة النائيني من مقولة (حفظ بيضة الإسلام) الرائجة عند المسلمين و مقولة (الدفاع عن الوطن) عند سائر القوميات و المذاهب الأخرى وجوباً لهذا المعنى؛ و جعلها مصداقاً للقسم الثاني من الحكمة العملية و تعني سياسة المدن، ففي رأي العلامة «منذ أن جعل الحكم و وضع الخراج لتنظيم سائر القوة النوعية بواسطة الأنبياء و الحكماء، لم توضع إلا من أجل إقامة هذه الوظائف وتسيير هذه الأمور».[20] و القيام بهذه المسؤولية في الوقت الحاضر حيث نفتقد إلى الإمام المعصوم و ليس بمقدورنا أن نجد إنساناً قد استكملت فيه جميع المواهب الإنسانية حتى يقوموا بأنفسهم بوضع لجان و تأسيس هيئات رقابية على سلوكهم و تصرفاتهم تحاسبهم فيجب حينئذٍ أن نقوم بما يلي: «أولاً: يجب وضع دستور تحدد فيه صلاحيات السلطة (الحاكم) و يميز المصالح النوعية العامة التي يجب أن تراعى بصورة شاملة كاملة و واعية و يعيّن الكيفية التي من خلالها يمكن الحفاظ على هذه المسؤوليات و يتضمن حدود صلاحيات الحاكم و حرية الشعب و يضمن جميع الحقوق لكافة طبقات الشعب و فئاته بما تمليه مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، بحيث يعتبر تجاوز مسؤولية حراسة مصالح الأمة و الأمانة إفراطاً وتفريطاً، نوعاً من الخيانة تستوجب قانونياً العزل عن المسؤولية أو الإحالة على التقاعد و تستحق العقوبة المنصوص عليها في باب عقوبات الخيانة. و بما أن هذا الدستور سينظم الحياة السياسية و النظم النوعية فسيكون بمثابة الرسائل العملية للفقهاء و التي تتناول العبادات والمعاملات و ما شابه، ولذلك ستنتظم شؤون المجتمع فيما لو طبق هذا الدستور و لم يتجاوزه أحد و لهذا أطلق عليه اسم (رسالة النظام) أو القانون الأساسي. و ثانياً: یجب تشكيل نظام مؤسساتي يقوم بمهام المراقبة و المحاسبة و المسالة الدائمة و إيكال هذه المسؤولية الهامة إلى هيئة رقابية عالية مؤلفة من العقلاء و الفضلاء و علماء الدولة و الخيرين من أبناء الشعب ممن لهم دراية واسعة بالحقوق المشتركة الدولية و إطلاع واسع بمقتضيات العصر و السياسة تقع على عاتقها مسؤولية الرقابة الدائمة في تطبيق القانون الأساسي أو الدستور و الوقوف أمام شتى أنواع التجاوز والتطاول على مبادئ الدستور أو الإسراف و الإهمال في المصالح العامة، و هم في مجموعهم من ممثلي الشعب والأخصائيين من رجال الدولة الذين يشكلون مجلس الشورى الوطني الذي يعتبر الصيغة الرسمية التي تؤطر نشاطهم، و لايمكن لهذه المؤسسة الرسمية أن تقوم بواجبها بصورة مثالية في الرقابة و المحاسبة دون تحول الدولة (السلطة) من ولائية إلى ملكية سلطوية إلا إذا كانت كافة المؤسسات والأجهزة التنفيذية خاضعة لإشرافها ومسؤولة أمام ممثلي الأمة الذين سيكونون بدورهم مسؤولين أمام جميع أفراد الشعب».[21] و هذا يعني أن الشعب سيقوم بدور الرقابة و المسالة للمسؤولين التنفيذيين بصورة غيرمباشرة و عبر ممثليهم و نوابهم الذين سيخضعون بدورهم للمسالة المباشرة من قبل الشعب كل في دائرته الانتخابية و بغيرها سيفقد النظام الدستوري مصداقيته و سيتحول لامحالة إلى نظام سلطوي استبدادي. لذلك يبدي الشيخ النائيني تعجبه ممن يسميهم «زعماء الاستبداد الديني» و يقصد بهم معارضوا الحكم المشروط في إيران من فقهاء و رجال دين، الذين غضوا أبصارهم عن هذا الحجم الهائل من الأحاديث و الروايات و الوقائع التاريخية التي تدل على العمل بالشورى في حياة الرسول(ص) و الأئمة. و قد أفتى الشيخ فضل­الله النوري قائلاً: (إن قوانين الدستور الدائم تخالف مبادئ الدين الإسلامي و أحكامه و لايمكن للدولة الإسلامية أن ترضخ لها إلا إذا انسلخت من دينها و مبادئها).[22]

أما مشروعية المجلس، البرلمان، و هؤلاء النواب فهي «بناء على أصول أهل السنة و الجماعة حيث كان المعتبر عندهم اجماع أهل الحل والعقد لا غير. وأما بناء على مذهبنا ــ طائفة الإمامية ــ فيكفي لصحتها اشتمال هذه الهيئة المنتدبة على عدة من المجتهدين العدول أو المأذونين من قبلهم و مجرد تصحيحهم الآراء الصادرة و موافقتهم على تنفيذها كاف لمشروعية هذه النظارة...». فانه يراد بأهل الحل و العقد تلك الجماعة التي تتولى تنظيم أمور المسلمين الاجتماعية و السياسية و الدينية و تشرف على تحقيق أهداف المجتمع الإسلامي و الدولة الإسلامية، و تمثل الأمة في اختيار حكامها و ولاة أمرها، ورئيس حكومتها و قائد دولتها...». على ان هذه المجموعة التي تتركز شرعيتها اساساً على مبدأ الشورى الإسلامي، لم يكن لها في تاريخ الإسلام وجوداً واضحاً و محدداً كمؤسسة. و انما خضعت لتجاذب مختلف عبر التاريخ؛ كما ان مسؤولية أهل الحل والعقد تكاد تنحصر في اختيار رئيس الدولة، الإمام أو الخليفة . اما غير ذلك من التدخلات في الشؤون العامة فان الوقائع التاريخية تضل غامضة و غيرواضحة إلى حد بعيد.

و لكن المطالبين بالدستورية و خاصة العلامة النائيني فإنه كان ينظر إلى هذه القضية من زاوية أخرى، وبذلك كتب يقول «إن التصدي للحكم والسلطة يعتبر في جميع الأديان و عند جميع العقلاء نوعاً من الأمانة في رقبة الحاكم، غاصباً كان لها أو بصورة شرعية؛ و لذلك فإن مسؤولياته أن يؤدي هذه الأمانة إلى أصحابها وأداء حقها إلى ذويها). لقد قال النائيني «فان حقيقة السلطة من وجهة نظر الإسلام و جميع الشرائع و الأديان السابقة تعود إلى باب الامانة و ولاية أحد المشتركين في الحقوق الإنسانية العامة، من دون أن تكون هناك أية مزية للشخص المتصدي. إن تحديد السلطة لئلا تؤول إلى الاستبداد و القهر هو من اظهر ضروريات الدين الإسلامي بل جميع الشرائع والاديان، و من الواضح أن كل مظاهر الظلم و العدوان و الاستبداد قديماً و حديثاً تستند على طغيان الفراعنة و الطواغيت و تزويرهم للحقائق).[23]

3- ثبوت النيابة للفقهاء في الامور الحسبیة الموسعة، لا جميع المناصب: فإن حق الفقهاء في النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام) في عصر الغيبة انما هو في الأمورالحسبية. و إن ثبوت نيابة الفقهاء العامة في إقامة النظام العام وحفظ الدولة الإسلامية من أهم الامور الحسبية و من الأمور القطعية في مذهب الامامية؛ و لايجب ان يتصدى المجتهد بنفسه و يكفي اذنه لمنتخبي الأمة في صحة وشرعية عملهم، ومن اجل مراعاة غاية الاحتياط لوحظ اشتمال نواب الشعب على عدد من المجتهدين لتصحيح و امضاء الآراء الصادرة من المجلس.

4- تدوين الدستور الشامل لحقوق الشعب العامة و حريته و واجبات و صلاحيات الحكام.

5- الحرية والمساواة من مبادئ الحكومة المشروطة. فانه حسب اعتقاد النائيني: «يمكننا أن نفهم و نستنتج بأن مبدأ المساواة أمام القانون إنما يشمل جميع أفراد الأمة بلافرق بين الحاكم و المحكوم و ذلك من سيرة الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، و تأكيده المستمر على هذا الأصل باعتباره أساس العدل وسعادة الأمة». و يتطرّق العلامة النائيني بعد ذلك إلى ذكر ثلاثة شواهد من السيرة النبوية الشريفة التي تؤكد على تطبيق أصل المساواة أمام القانون على نفسه الشريفة بلا فرق مع الآخرين و يخرج بهذه النتيجة: «لم تكن كل تلك الفتن و الحروب لتثور وتشتعل في زمن الإمام علي (عليه السلام) إلا لأنه أراد أن يطبق هذا المبدأ و إحياء سنن الأنبياء في المساواة بالعطاءات وعدم تفضيل بعضهم على بعض و أراد أن يسترد جميع القطائع والاستئثارات التي منحها الخليفة السابق بغير وجه حق». وعلى هذا الطريق و تأسياً بهذه السيرة الطاهرة للأنبياء و الأولياء (عليهم أفضل الصلاة والسلام) قام فقهاء الشيعة و رؤساء المذهب الجعفري لاسترداد الحقوق المغصوبة للمسلمين و إنقاذهم من ظلمات حكام الجور و الظلم و تحرير رقابهم من نير العبودية و الذلة فبذلوا مهجهم و ضحوا بأرواحهم من أجل ذلك و في سبيل إنقاذ بيضة الإسلام و لا زالوا يقدمون القرابين على هذا الطريق).[24]

تتحقق الحريات العامة و المتمثلة في حرية الرأي و الفكر و المعتقد و كذلك المساواة بين الناس في الحقوق وأمام القانون عن طريق إشراك الأمة في إدارة شؤون الدولة، وتعتمد الحكومة الدستورية على هذا الأصل المهم في حياة الناس و يعني إعطاءهم فرصة المشاركة بصورة حقيقية في صنع القرار السياسي و إدارة البلاد وتقرير المصير، يتساوى في هذا الحق جميع أفراد الأمة بما فيهم الحاكم و الوالي و عليه ستكون المسؤولية و المسائلة أحد الفروع التي تتفرع من هذا الأصل أو المبدأ المهم. و حسب رأي العلامة النائيني، «في ظل الحكومة الدستورية يكون جميع أفراد الشعب وحكامه و ولاة أموره شركاء في كل شيء و يتساوون في المسؤولية العامة باعتبارهم أمناء و ولاة على الأموال العامة فلاتحكمهم علاقة الخادم بالمخدوم أو المالك بالمملوك؛ بل سيكون أبناء الأمة كأعضاء البدن الواحد يتحملون مسؤولياتهم و يقومون بواجباتهم التي يفرضها المجتمع عليهم و سيحاسبهم على أي خلل أو تماهل و استئثار عند تحمل هذه المسؤولية و لذلك سيكون كل فرد في الأمة و بلا فرق بين أحد منهم تحت ظل النظام الدستوري قادراً على المسالة و الاعتراض بكل حرية و بدون خوف من ملاحقة السلطة و أجهزة الدولة أو عسف الحاكم و إرادته الخاصة و ذلك من ضروريات المشاركة العامة و المساواة التي سيتمتع بها الجميع». وفي مقولة المشاركة العامة كما يقول العلامة النائيني «فإن الميزان الذي توزن به الأمور وفي تقلد المناصب والمسؤوليات هي الكفاءة والدراية (الاختصاص)، فليس أحداً أفضل من غيره إلا بها، فلاقرابة لأحد مع الله و لا هو شريك له عز وعلا، فإن تقلد أحدهم منصباً بلا كفاءة أو دراية (اختصاص) بالأمور بل لمجرد تملقه و تزلفه للحاكم و انتهازيته فعلى الأمة من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن يقيلوه و يعزلوه عن منصبه باعتباره غاصباً لهذا المنصب. و ذلك لأن المحاسبة والمسالة و المراقبة من حق الأمة و مسؤوليتها و هي من فروع الحرية و المشاركة العامة و يعتبر ليس فقط من ضروريات الدين الإسلامي بل من ضروريات جميع الأديان و الشرائع الأخرى أيضاً».[25]

السؤال الكبير الذي يطرحه محمد دکیر بالنسبة الی الفكر السياسي الشيعي و خاصة النائینی، هو هل يجب على المجتمع الشيعي أن يعمل على تحديد السلطة و تقييدها بالقوانين و الاجراءات التي تمنعها من الظلم و الاستبداد، مع الاعتقاد المسبق بعدم مشروعيتها الأصلية لأنها سلطة مغتصبة لمقام الإمام الغائب، وغيرمأذونة لا من طرفه و لا من طرف وكلائه العامين أي الفقهاء جامعي الشرائط)؟ يجيب الشيخ النائيني عن السؤال من وجوب تحديد السلطة وتقييدها بالقوانين و الاجراءات التي تمنعها من الظلم و استبداد من خلال ثلاث مطالب:

1 ــ لا شك ان النهي عن المنكر من ضروريات الدين؛ و أنه واجب في حق من إرتكب منكراً أو منكرات متعددة دون ربط الأستطاعة بمجملها. فلو تحقق النهي عن منكر بعينه دون غيره من المنكرات لكان واجباً و ضرورياً. و هذا لا إختلاف فيه بين الفريقين السنة والشيعة.

2 ــ لا شك أن «الوظائف الحسبية» قد أوكلها الشارع في عصر الغيبة للفقهاء جامعي الشرائط، وبما أن حفظ بيضة الإسلام و انتظام المجتمعات الإسلامية و ضرورة بقائها أهم من الأمور الحسبية؛ «لهذا كان ثبوت نيابة الفقهاء و النواب العمومين في عصر الغيبة على إقامة الوظائف المذكورة من أوضح القطعيات في مذهبنا». و الحسبة تصح من كل مسلم، والفرق فقط بين المعين لوظيفة الاحتساب و المتطوع. فالمحتسب فرضه متعين، لايجوز ان يتشاغل عنه، بل يجب عليه البحث عن لمنكر لأنكاره، و البحث عما ترك من المعروف للأمر بفعله واقامته. و الحسبة هنا هي أحدى مظاهر الولاية العامة للأمة على نفسها و هي «ثابتة للمجتمع بالإستقلال في أصل الشرع و هي ثابتة في معظم مواردها». وقد استدل الفقهاء على ذلك كما يقول الشيخ شمس الدين بــ «عمويات من الكتاب السنة، والإجماع، و ضرورة العقل الحاكم بوجوب حفظ النظام».

3 ــ اتفاق علماء الإسلام على انه يمكن تحديد تصرف الغاصب إذا لم يكن دفعه عن  الموقوفة المغتصبة. وذلك باتخاذ بعض التدابير، كإقامة هيئة ناظرة مهتمة بذلك الوقف؛ و هذه المطالب الثلاثة تشكل أهم الركائز الشرعية في وجوب تحديد السلطة الجائرة، وتحويلها إلى سلطة عادلة شرعية و عمل النواب و المنتدبين من طرف الأمة في هذا التحديد والمراقبة.[26]

 

رأی الکواکبی و النائيني حول الدیمقراطیة و العلمانیة

لا شک ان الديمقراطية هی الخط المقابل للديكتاتورية من خلال طرح حكم الشعب و المشاركة الشعبية، و ليقود الشعب الحياة في كافة مناحيها التنفيذية و التشريعية و إليه يعود إضفاء الشرعية على الحاكم. فان ما كتبه الشيخ محمد حسين النائيني في رسالته تلك يعد سابقة يسجلها عالم دين و الذي اعتبر في وقتها مفكراً للمشروطية او الدستورية، نجد في الرسالة تأسيساً لحياة برلمانية عصریة، للرعية حقوقها و للحاكم واجباته، و فيها دعوة الى ما يمنع الاستبدادين الديني والسياسي من الانتشار و قد اعتبر الاستبداد الاول (الديني) قاعدة و اساساً للاستبداد الثاني (السياسي). قال النائيني نفسه: «إن حسن ممارسة الأوربيين لهذه المبادئ، وجودة استنباطهم واستخراجهم لها، و بالمقابل السير القهقري للمسلمين و وقوعهم تحت نير الاستعباد المذل، وتحولهم إلى اسرى بأيدي طواغيت الأمة المعرضين عن الكتاب و السنة هو الذي آل بأمر الطرفين إلى ما نشاهده اليوم، حتى نسي المسلمون تلك المبادئ، وأخذوا يظنون أن تمكين النفوس لتلك العبودية و ذلك الاسترقاق هو من وحي الإسلام، و استنتجوا أن هذا الدين ينفي التمدن و العدالة اللذين يمثلان أساس الرقي، و حسبوا أن الإسلام يخالف العقل، و انه أساس الانحطاط و التخلف».[27]

و بما أن جوهر الديمقراطية انما هو من صميم الإسلام، فان النائینی يقول: «لقد قرر الإسلام الشورى قاعدة من قواعد الحياة الإسلامية، و أوجب على الحاكم أن يستثير، و أوجب على الأمة أن تنصح حتى جعل النصيحة هي الدين كله. و منها النصيحة لأئمة المسلمين، أي أمرائهم وحكامهم». و يعالج قضية الأخذ برأي الأكثرية واعتمادها من عدة جوانب فيقول: «أولاً: إذا تأرجحت القضية بين شيئين فلابد أن نرجح أحدهما على الآخر و نعتمده، فالتمسك برأي الأكثرية يعتبر من أقوى المرجحات المطروحة. فهو مثل ترجيح حكم العقل على ما سواه من الأحكام الشاذة. و ثانياً: يستفاد من عموم تعليل مقبولة عمر بن حنظلة أنه عند الابتلاء بالمشاكل و الاختلافات يجب الرجوع إلى المرجحات العقلية و الدينية و أحد هذه المرجحات العقلية هو اعتماد رأي الأكثرية. و ثالثاً: في حالة ثبوت مشروعية الطرفين بحيث يتساوى الأخذ بأي منهما من الناحية الشرعية و لايمكن الترجيح بينهما شرعاً يبقى من باب حفظ النظام الاجتماعي اعتماد رأي الأكثرية مقدماً على الآخر لشموله بأدلة حفظ كيان المجتمع و النظام العام و بذلك يصبح واجباً الأخذ به و يكون التقيد به من القضايا الملزمة شرعاً. و رابعاً: وافق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) و كذلك الإمام علي (عليه السلام) في المسائل والمواضيع السياسية و الاجتماعية على رأي الأكثرية و التزموا بها عملياً كما هو معروف في السيرة».

ان مفهوم الدیمقراطیة و المندوب أو النائب في الفكر السياسي الغربي المعاصر يختلف في كثير من جوانبه عما أنيط بالشوری و أهل الحل والعقد و غیرهما فی الشریعة الاسلامیة. لکن النائيني اقتصر كلامه هنا على أصل مشروعية عمل المندوب أو الهيئة المنتدبة، للقيام بعمل المحاسبة والمراقبة، من دون مقارنته بالدیمقراطیة الغربیة. فان اسعد ابوخالد یری الکواکبی ایضاً من المفکرین الذین یحیون الدین، فی مقابل التیار السلفی؛ و هو یقول الاحیاء و التجدید لیسا بالمعنی الغربی، بل هو احیاء الدین و محدد بالشریعة الاسلامیة.[28]

اما بالنسبة الی قضیة العلمانیة، فان «جان دايه» یقول ان الكواكبي كان رجلاً علمانياً؛ لانه اعتقد بانه لا شأن للروحانیین باعمال الدولة.[29] فهل هذا صحیح ام لا؟ و هل کان رجلاً علمانیاً بحیث لایعتقد بعلاقة الدین بالسیاسة؟ فی تحلیل هذا البحث یجب ان نمیز بین ما یفیده العلمانیة فی الغرب و ما یفیده فی العالم الاسلامی. فهی فی الغرب و فی الثقافة المسیحیة بمعنی فصل مؤسسة الدین (الکنیسة) من الدولة؛ لانه المفترض عندهم انه لا علاقة بین الدین و السیاسة فی المسیحیة. اما فی الثقافة الاسلامیة و العالم الاسلامی فللعلمانیة معنیان: احدهما فصل الدین عن السیاسة، و الثانی فصل مؤسسة الدین (رجال الدین) من الدولة. فما یقول جان دایه من ان الکواکبی علمانی فهو بمعنی فصل رجال الدین عن الدولة، لا بمعنی فصل نفس الدین عن السیاسة. فالکواکبی لیس بعلمانی بالمعنی الاول؛ لانه یعتقد بعلاقة الدین بالسیاسة.

و هکذا القصة بالنسبة الی العلامة النائینی. فهو یصرح بان الميزة التي تميز الحكومة الإسلامية الحقيقية عن غيرها هي حفظ مكانة الفقهاء فيها، فيورد رأي الإمامية في زمن الغيبة بايكال جميع المهام و خاصة ما يتعلق منها بأمور الحسبة و الحفاظ على نظم الدول الإسلامية إلى الفقهاء الجامعين للشرائط؛ و بذلك تحتفظ الحكومة الإسلامية الحقيقية بحلقة الوصل التي تربطها بالمذهب، و على أية حال فان هذه القضية لا تمس اصل موضوع محدودية الحكومة الإسلامية بالقانون لا من قريب و لا من بعيد.[30] و الدیمقراطیة و الشورویة انما هما باشتراط وجود مجموعة من المجتهدين داخل هذه الهيئة أو المجلس، ينحصر عملها في مطابقة القوانين و التشريعات المقترحة، بالشريعة الإسلامية، و عدم تجاوزها للأصول الإسلامية المعتبرة. و إذا لم­يكن هناك مجتهدون من ضمن هذه الهيئة، فلابد من وجود «مأذونين» من طرف الفقهاء المجتهدين لممارسة هذا الحق السياسي مع التأكيد على معرفة القوانين و التشريعات التي يصدرها المجلس من أجل التصديق عليها. فانه من خلال مناقشة الشيخ النائيني لمسألتي انشاء دستور و قيام هيئة منتدبة للمحاسبة والمراقبة، يتبين أن أصل مشروعيتهما عند الشيخ تنحصر في عدم مخالفة قوانين الدستور للشريعة الإسلامية، ومراقبة الفقهاء أو المأذونين من قبلهم لعمل الهيئة و ما يصدر عنها وتصحيحه، كي لايخالف مبادىء الشريعة وأصولها. فتحصل ان النائینی، و الکواکبی، لیسا بعلمانیین بمعنی عدم علاقة الدین بالسیاسة.

 

النتیجة

1- ان افکار الکواکبی حول مسئلة التقریب اکثر دقة و انسجاماً بالنسبة الی الشیخ النائيني.  

2- لا ریب ان رأی النائيني حول موضوع الاستبداد یشابه رأی الکواکبی؛ و یمکن ان یکون متخذأ عنه. قال الكواكبي كل يذهب مذهباً في سبب الانحطاط، و في ما هو الدواء، و قد تمحص عندي ان اصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي، وقد استقر فكري على ذلك- كما ان لكل نبأ مستقراً- بعد بحث ثلاثين عاماً..." " و قال: لقد تمحص عندي أن أصل الداء هو: الاستبداد السياسي.. ودواؤه هو: الشورى الدستورية. فانه من أقبح أنواع الاستبداد: استبداد الجهل على العلم... واستبداد النفس على العقل". و يعتبر النائيني الاستبداد رأس الفساد، و ان الاستبداد الديني اخطر من الاستبداد السياسي؛ و يكرر نعت الاستبدادين الديني والسياسي بالشجرة الخبيثة، و اعتبر النائيني تحقيق المساواة و الحرية و نبذ الاستبداد؛ و هما اهم اركان الدولة الدستورية، حسب الفقه الشيعي. قال النائيني الاستبداد من حيث هو تصرف غيرمقيد و تحكمي في شؤون الجماعة السياسية، درجات مختلفة، يحدوها مدى وعي الأمة أو جهلها بمجمل حقوقها الذاتية والاجتماعية. و هذا «الجهل المطلق»، كما يصفه عبدالرحمن الكواكبي، و قلة الوعي بالحقوق السياسية، يعتبر أحد أهم أسباب نشوء الإستبداد في كيان الأمم واستفحاله. فانه في مقابل الحكم الإستبدادي المطلق، هناك الحكم المقيد والمشروط. و هذين القسمين من أنواع الحكومة، متناقضين في أصولهما وآثارهما. والسلطنة في حقيقتها عارية عن الأوهام الإلهية، رغم إدعاء المستبد وجنوحه المستمر لأتخاذ «حفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله»، كما يقول الكواكبي.

3- اذا اعتبرنا نفی الاستبداد کالبحث السلبی، ففی جانب الایجاب، اعنی الحکومة الدیمقراطیة، آراء و فکر النائيني اکثر دقة بالنسبة الی الکواکبی. فيشير الميرزا النائيني الى أن الجهل منبع الشرور، مثل الجهل في دعوة الانسان الى اشراك المستبد مع الذات الالهية و هي الحكومة الالهية، و يعني هذا جهل الانسان بحريته و بحقه في المساواة، و يجد في الاستبداد الديني خداعاً للامة و ذلك باستغلال جهالاتها و لاعلاج لتلك القوى الملعونة الا بمعالجة الجهل، وشرح حقيقية الاستبداد و الديمقراطية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي ينظر فقیه شیعی فيها إلى مشكلة الانهزامية والتخلف من هذه الزاوية؛ على كونها نتائج طبيعية و منطقية لحالة الجهل والجمود و عدم مشاركة الأمة في إدارة الدولة و عدم وقوفها على حقوقها و واجباتها. و في الحقيقة، فان النائيني عندما طرح موضوع السلطة و الحاكمية و نظّر للدولة على الصعيد النظري و العملي و نوه إلى طبيعة الحكومة الإسلامية الحقيقية، و انتقد السلطات الإسلامية المغتصبة وفي دفاعه عن الدستورية فانه قد أثار مشكلة الحضارة الإسلامية الكبرى التي أصبحت واضحة بعد أن ترسخ المذهب العقلاني الغربي في العالم.

4- اذا اعتبرنا تعریف العلمانیة بفصل الدین عن السیاسة، فلیس الکواکبی و النائيني علمانیین؛ لان الاحکام الشرعیة معتبرة عندهما فی السیاسة. فما قال «جان دایه» بان الکواکبی علمانی فهو باعتبار تعریف العلمانیة فی الغرب، و هو فصل رجال الدین (الکنیسة) عن الدولة (الحکم)؛ و بین المعنیین بون بعید و فرق شاسع.

و السلام



[1] . باحث في الحوزة و الجامعة، حائز على دكتوراه في العلوم السياسية، عضو الهيئة العلمية في كلية الفكر السياسي الإسلامي، و أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في جامعة المفيد في قم (www.s-haghighat.ir).

[2] . فقيرأفضل، «عبدالرحمن الکواکبی، من رواد التقريب، خصم الاستبداد و الاستعمار»،

http://www.taghrib.ir/arabic/index.php?limitstart=372

[3] . رشید رضا، مجلّة المنار، الجزءان : 6 و7، من المجلّد الخامس، أيار ـ حزيران/ 1902م.

[4] . و يمكن الحديث عن بداية «حركة المشروطة» في إيران، من جراء حادثة بسيطة حدثت في عام 1905م. وخلاصتها أن نفرا من أهل البازار خالفوا بعض الأوامر الحكومية، فأمرت الحكومة بشد أقدامهم في «الفلقة» وجلدهم بالسياط . ولم تكن «الفلقة» شيئاً غريباً في الوسط الاجتماعي آنذاك. فهي عادة متبعة لدى الملوك السابقين. لكنها دفعت هذه المرة بعض الناس، ومنهم رجال الدين إلى الإلتجاء، في «مسجد الشاه» بجانب البازار الكبير. لينتقلوا بعدها إلى بلدة «الشاه عبدالعظيم» حيث ارتفع عدد الملتجئين يوماً بعد يوم، وقرروا أن لا يغادوا المكان حتى يستجيب الملك لمطالبهم المتمثلة في عزل «عين الدولة» من منصبه و تأسيس دار العدالة أطلقوا عليها إسم «عدالة خانه». ومما زاد في أهمية هذا الالتجاء، أن إثنين من أكابر علماء طهران كانا من بين الملتجئين وهما السيد محمد الطباطبائي والسيد عبدالله البهبهاني. كما كان بينهم الواعظ المشهور آغا سيد جمال الدين. وكانت النتيجة أن خضع الشاه لمطالبهم ورجع العلماء والناس إلى ديارهم فرحين بأول نصريتم تحقيقه على الاستبداد. لكن الشاه وكما يؤكد المؤرخون لم يستطع الوفاء بوعده مما دفع بالوضع للأنفجار من جديد، حيث تكاثفت فيه الإرادة الشعبية مع اصرار العلماء الذين استخدموا جميع أسلحة الضغط المادية والمعنوية، مما أرغم الشاه مظفر الدين أخيراً على إصدار القرار الذي طال انتظاره، وهو «فرمان مشروطيت» الذي اذيع في 15 أغسطس عام 1906م. وهكذا فقد أسفر الإنقلاب الدستوري في عهد مظفر الدين شاه، أو ما يسمى بــ (انقلاب مشروطية) عن قيام حكم ملكي مقيد بأحكام الدستور، وعن حياة نيابية وحكم ديمقراطي. محمد دكير، «قضايا الأمة الاستبداد السياسي من الإستبداد إلى الديمقراطية دراسة في فكر الشيخ النائيني من خلال كتابه «تنبيه الأمة وتنزيه الملة»:

 http://www.alwihdah.com/issues/istibdad/2010-04-26-1891.htm

[5] . محمد حرز الدين، معارف الرجال، الجزء الاول، قم، مکتبه آيه الله مرعشي نجفي، 1405ق، ص286.

[6] . عبدالهادی الحائری، تشیع و مشروطیت در ایران، طهران، 1360ش، ص 219-220.

[7] . محمود الطالقانی، مقدمة و تعلیقات علی تنبیه الامۀ و تنزیه الملة لمحمدحسین النائینـی، طهران، 1334ش، ص 16-17.

[8] . احمد امین، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، القاهرة، المكتبة العصرية للطباعة والنشر ، 2007، ص 267 .

[9] . جلال درخشة، « نظرية الوحدة الإسلامية في آراء المصلحين في التاريخ المعاصر »، مجلّة رسالة التقريب، العدد: 54، ربيع الأوّل و ربيع الثاني / 1427 هـ، ص 84 ـ 85 .

[10] . فقیر افضل، المصدر؛ و أُمّ القرى (ضمن المجموعة الكاملة للكواكبي بدراسة د . عمارة )، ص 277 .

[11] . فقیر افضل، المصدر؛ و محمد جمال طحان، الاستبداد و بدائله في فكر الكواكبي،  القاهرة، مکتبة الاسکندریة، ص 532.

[12] . فقیر افضل، المصدر، عبدالرحمن الكواكبي (ضمن المجموعة الكاملة للعقّاد) 17 : 260 .

[13] . فقیر افضل، المصدر.

[14] . رشيد الخيون، المشروطية والمستبدة، بغداد- بيروت، معهد الدراسات الستراتيجية، 2006.

[15] . فرهاد الهيان، «آفات الاستبداد في أفكار العلامة النائيني»، ترجمة عباس كاظم:

 http://www.annabaa.org/nba52/afat.htm

[16] . جمال البناء، "حركة التجديد الإسلامي: عبد الرحمن الكواكبي":

http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=11339

[17] . محمد دكير، "من الإستبداد إلى الديمقراطية دراسة في فكر الشيخ النائيني من خلال كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة"، مجلة الكلمة - العدد 18 - شتاء 1998.

[18] . الامام علی، نهج البلاغة، خطبة 53.

[19] . النایینی، تنبيه الأمة، ص53.

[20] . النائینی، تنبيه الأمة/ ص7.

[21] . النائینی، تنبيه الأمة، ص14.

[22] . غلام حسين زركري نزاد، رسائل المشروطة، طهران، سمت، 1386 ش، ص167.

[23] . النائینی، تنبيه الأمة، ص129.

[24] . النائینی، تنبيه الأمة، ص28-36.

[25] . النائيني، تنبيه الأمة، ص 12، 18 و 44.

[26] . محمد دکیر، المصدر.

[27] . النائینی، تنبيه الأمة، ص93-94.

[28] . اسعد ابوخالد، المصدر.

[29] . جان دایه، الامام الكواكبى: فصل الدين عن الدولة (لندن، دار سوراقيا، 1998)، ص 92-104.

[30] . النائینی، تنبيه الأمة، ص137.